الخميس، 30 يناير 2014

واقع الاقتصاد العربي و مستقبل التنمية

 واقع الاقتصاد العربي  ومستقبل التنمية

  
ورقة مقدمة إلى
الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة و الآداب بدولة الكويت


الندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي
في دورته العشرين ما بين 14 و 16 – يناير -2014 م




واقع الاقتصاد العربي و مستقبل التنمية
عندما نتحدث عن واقع الاقتصاد العربي ، فإننا نتحدث عن حاصل جمع عادي لاقتصاد كل الأقطار العربية.فالاقتصاد العربي اسم لاوجود له ككيان له صفاته و مميزاته التي و إن كان مصدرها الحالة الفردية لكل اقتصاد عربي إنما يزاد عليها تلك المزايا الاقتصادية الناجمة من العلاقة الجمعية للاقتصادات العربية في التجارة و الزراعة و الصناعة و الاستثمار و جميع مرافق الحياة الاقتصادية والماليةLinkages Economies of Scale إذن عندما نتحدث اليوم عن الاقتصاد العربي ، فنحن نتحدث عن مفردات قطرية لم تشتبك  بعد و تترابط و تتحد لتخلق كياناً اقتصادياً واحداً . في هذا البحث سوف أناقش أمرين هما مفصلا العنوان الرئيسي للورقة :
- واقع الاقتصاد العربي
- مستقبل التنمية في البلاد العربية

أولاً : واقع الاقتصاد العربي
إن واقع الاقتصاد العربي، كما تعكسه القراءة التاريخية لحجم مكوناته القطاعية و معدلات نموه لم يطرأ عليه أي تغيير هيكلي جوهري بل استمرلسنوات عديدة على نفس النمط مع ازدياد و تضخم  في الأرقام[1] .
وقبل استعراض الواقع الاقتصادي العربي سوف ألقي الضوء بشكل سريع على معيارين مرتبطان بشكل رئيسي بقياس التنمية الاقتصادية كماً ونوعاً.
أ‌-      الناتج المحلي الإجمالي GDP
إن الناتج المحلي الإجمالي (GDP ( Gross Domestic Product وضع أصلا لقياس حجم الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية[2]،و شاع استخدامه لسهولته.
فالناتج المحلي الإجمالي يعبر عن القمية السوقية لجميع السلع و الخدمات التي أنتجت داخل الحدود الجغرافية  لبلد ما. ولكن هذا المقياس انتقده من ابتكره و أوجده و تبعه كبار الاقتصاديين، لأنه يعطي انطباعاً خاطئاً  أو غير دقيق عن حجم الاقتصاد[3].
إن حجم الناتج المحلي الإجمالي GDP كمقياس لحجم الاقتصاد المحلي إن كان به شيء من العيب بالنسبة لقياس اقتصاد دولة صناعية مثل الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها ، فإنه عيبه و خطأه أكبر  بالنسبة للدول النامية التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على استخراج و استهلاك رأس مالها الطبيعي من بترول و غاز أو من حديد و معادن كما هو الحال في معظم الدول العربية، ويعتبر مضللاً  للغاية لأنه يضيف الاستهلاك المتمثل في رأس المال الطبيعي المستخرج إلى الناتج و لا يطرحه منه فتكون المحصلة رقماً للإنتاج، متضخماً لا يعبر عن الإنتاج الفعلي الصافي، لذا كان مقياس الناتج المحلي الإجمالي GDP الذي يتردد في كل التقارير أو النشرات الاقتصادية العربية لا يعطي صورة فعلية لحجم الناتج، لأن الحجم الصحيح للناتج المحلي هو صافي الناتج المحلي NDP الذي يتم التوصل إليه بحسم كمية المستهلك من رأس المال الوطني الطبيعي من بترول و معادن و غير الطبيعي من معدات و آلات من حجم الناتج المحلي الإجمالي  وذلك على النحو التالي:

GNP = GDP – NCC
حيث :
الناتج  المحلي الإجمالي...................Gross Domestic Product  GDP :
الناتج المحلي الصافي    .........................NDP :  Net Domestic  Product
       الاستهلاك من رأس المال الوطني.....: National Capital Consumption   NCC

ب‌-  التنمية المستدامة Sustainability
المفهوم الحديث لقياس التنمية الاقتصادية تعدى قياس الناتج المحلي إلى قياس إمكانية الاستدامة و الاستمرار في إنتاج السلع و الخدمات في الاقتصاد المحلي على المدى الطويل،وهنا تحول الأمر من مجرد قياس الناتج المحلي الإجمالي إلى قياس صافي الناتج المحلي الإجمالي مشروطاً ومرتبطاً بالمحافظة على رأس المال الطبيعي و غير الطبيعي من الاستهلاك المتوالي وذلك من خلال عملية الاستثمار و التعويض عن رأس المال المستهلك ويسمى هذا المقياس أحياناً بالناتج المحلي الإجمالي الأخضرGreen GDP الاستدامة مفهوم بدأ يأخذ موقعاً مهماً في أدبيات التنمية. و تعرف الاستدامة اقتصادياً بالقدرة على الاستمرار في إنتاج السلع و الخدمات التي يحتاجها المواطنون لآماد طويلة. و قد تبنى البنك الدولي للإنشاء و التعمير هذا المفهوم و بدأ في نشر بيانات إحصائيات للدول قياساً على المعادلة التي من مكوناتها احتساب استهلاك رأس المال الوطني من الموارد الطبيعية مثل البترول و المعادن و المياه و الأسماك والتلوث البيئي وغيرها وكذلك الاهتلاك في رأس المال غير الطبيعي من الآلات و المعدات و الطرق و المباني وخصمها من الناتج المحلي الإجمالي للوصول إلى صافي الادخار أو ما يسمى الادخار الحقيقي الفعال Genuine saving [4].
معيار الاستدامة هو المعيار الأفضل للدول العربية و خصوصاً الدول التي يشكل رأس المال الطبيعي جزءاً مهماً من رأس مالها الوطني المشترك في الدورة الإنتاجية مثل دول مجلس التعاون و العراق و لبيبا و الجزائر .
ملخص نظرية الاستدامة أنه يجب أن يكون صافي الادخار و الذي هو ناتج خصم الاستهلاك من الإنتاج يعادل حجم استهلاك الأصول الرأسمالية ،الطبيعية و غير الطبيعية فإذا كان حجم صافي الادخار أكبر من حجم استهلاك الأصول فإن الادخار الحقيقي "Genuine saving  " يكون موجباً و كلما كان الادخار الحقيقي موجباً و لفترة طويلة من الزمن فإن الاقتصاد الوطني سيكون قادراً على الاستدامة في إنتاج السلع و الخدمات التي يحتاجها الاقتصاد، وكلما كان سالباً أي كان حجم الادخار الصافي أقل من حجم استهلاك الأصول الرأسمالية الطبيعية و غير الطبيعية يكون الاقتصاد غير قادر على الاستدامة في تلبية حاجة المجتمع من السلع والخدمات لأمد طويل.
لقد أجريت تطبيقاً إحصائيا لنموذج الاستدامة على الاقتصاد السعودي للفترة بين 1990 – 2010 م  و كانت النتيجة أن الاقتصاد السعودي بحالته الراهنة لا يتمتع بالاستدامة أي أنه سيكون عاجزاً في المستقبل عن تأمين السلع و الخدمات التي يحتاجها الاقتصاد الوطني[5].
بعد هذه المقدمة، سوف أقوم باستعراض و تحليل الإحصاءات التي ترصد واقع الاقتصاد العربي الراهن من حيث الإنتاج و الاستهلاك و غيره و الواردة في التقارير الاقتصادية للدول العربية، وأهمها ما تورده مؤسسات النقد و البنوك المركزية وغيرها من المؤسسات الاقتصادية و التي جمعها في تقرير موحد صندوق النقد العربي [6] .

1-  حجم الناتج المحلي الإجمالي (GDP ):
إن حجم الاقتصاد العربي ونموه على المستوى القطري و على المستوى الجمعي كما تعلن عنه النشرات و التقارير الحكومية مبالغ بسبب الخطأ في استخدام المؤشرات الإحصائية الاقتصادية السليمة. فالدول العربية تستخدم مؤشر الناتج المحلي الإجمالي GDP   و لا تستخدم صافي الناتج المحلي NDP  لأن الأخير يتطلب طرح قيمة الموارد الطبيعية و الرأسمالية التي تم استهلاكها من عملية الإنتاج .
وحيث أن حجم الصناعة المستخرجة ( النفط و الغاز و المعادن ) كأحد مكونات الناتج المحلي الإجمالي كبير جدا، فإن حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية وعلى وجه الخصوص للدول العربية المستخرجة للنفط و الغاز و المعادن مبالغ فيه و لايعكس حجم الناتج المحلي الفعلي للاقتصاد الوطني العربي .


جدول رقم (1)
الهيكل القطاعي للناتج المحلي الإجمالي للدول العربية
2000, 2005 , 2010 , 2011 م

(نسبة مئوية)

هيكل الناتج المحلي الإجمالي
معدل النمو السنوي بالأسعار الجارية

1995-2000
2000-2005
2010
2011
2000-2005
2009-2010
2010-2011

قطاعات الإنتاج السلعي منها:
55.0
59.8
57.9
62.0
11.9
22.0
25.3

الزراعة
7.8
6.1
6.2
5.6
4.8
8.5
6.7

الصناعات الاستخراجية
30.3
38.2
35.5
40.7
15.3
31.4
35.2

الصناعات التحويلية
10.6
9.5
9.4
9.0
7.7
13.6
13.5

باقي قطاعات الإنتاج السلعي
6.3
6.0
6.9
6.7
9.1
5.4
6.7

إجمالي قطاعات الخدمة منها:
42.5
39.4
38.0
38.0
8.4
9.3
7.8

الخدمات الحكومية
11.5
10.5
11.1
11.1
7.9
12.6
11.3

صافي الضرائب غير المباشرة
2.6
0.9
0.8
0.8
-11.2
-30.7
18.6

الناتج المحلي الإجمالي
100.0
100.0
100.0
100.0
10.1
15.5
18.0


المصدر :التقرير الاقتصادي الموحد لصندوق النقد العربي 2012 م ص 26 ، جدول رقم 4

لو نظرنا إلى الجدول رقم (1) الخاص بالهيكل القطاعي للناتج المحلي الإجمالي للدول العربية سوف نلاحظ أن قطاع الاستخراج يشكل نسبة كبيرة من حجم الناتج الإجمالي العربي 40,7% (2011 م) ويشمل قطاع الاستخراج استخراج خام البترول و الغاز إلى جانب المعادن من حديد وفوسفات و غيرها .
قطاع الصناعات الاستخراجية كما يدل عليه الاسم يقوم على استخراج (استهلاك) الاحتياطيات الوطنية من البترول والغاز والمعادن وبيعها كمواد خام أو يستخدم جزءا منها في الصناعات التحويلية  لذلك فإن الجزء الأكبر من قيمة هذه المواد المستخرجة ليس إنتاجاً حقيقياً و إنما هو استهلاك حقيقي للثروات الوطنية. عملية الاستخراج، خصوصاً من البترول و الغاز، تبلغ تكاليفها في المتوسط حوالي 10% من قيمة المواد المستخرجة، لذا فإن 90% من قيمة المستخرج من المواد البترولية هو عملية استهلاكية و ليست عملية إنتاجية لذا يجب طرحه من الناتج المحلي الإجمالي ، لذلك فإنني أقول أن حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي GDP وهو الرقم المتداول في التقارير الموحدة وتقارير البنوك المركزية لا يعبر عن الناتج الفعلي لأن جزءاً مهماً من مكوناته ليس إنتاجاً و إنما استهلاكاً لرأس المال الوطني الطبيعي.

2-       الناتج المحلي الصافي ( NDP ):
الناتج المحلي الصافي ( NDP) هو المعيار الصحيح الذي يجب  قياس حجم الاقتصاد الوطني والعربي به،و هو عبارة عن حجم الناتج المحلي الإجمالي  GDP مطروحاً منه استهـــلاك رأس المــــال الوطنـــي (NCC) . و يضم رأس المال الوطني المستهلك المستخرج من البترول والغاز و المعادن وغيرها من الأصول الطبيعية إلى جانب المستهلك من المعدات الرأسمالية المستخدمة في عمليات الإنتاج وذلك على النحو التالي:
NDP = GDP – NCC
الاقتصاد العربي يضم في مكوناته الإنتاجية الإجمالية حجماً كبيراً من العمليات الاستخراجية يبلغ 40.7% فلو افترضنا جدلاً أن 10% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لعمليات الصناعة الاستخراجية من البترول و الغاز هي عمليات إنتاجية حقيقية، يكون بذلك حجم استهلاك رأس المال الوطني NCC) ) في ذلك العام هو 30.7% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لقطاع البترول و الغاز، وإذا افترضنا أن حجم الاستهلاك في المعادن وفي المعدات الرأسمالية المستخدمة في عمليات الإنتاج للقطاعات الأخرى يصل إلى 10,3% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه القطاعات فإن حجم الاستهلاك من الموارد الرأسمالية الوطنية المستخدمة في عملية الإنتاج يصل إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العربي.
و هذا يعني أن حجم الناتج الصافي المحلي هو 50% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي المعلن:
أ‌-       حجم الناتج المحلي الإجمالي حسب تقرير صندوق النقد العربي:
     2365 مليار دولار                             ( 2011 م )      ( GDP)

ب‌-  حجم المستهلك من المواد البترولية والغاز والمعادن والأصول الرأسمالية المستخدمة من الناتج المحلي الإجمالي حسب تقديراتي:
50% (2365) = 1182.5 مليار دولار         ( 2011 م )     ( NCC )

ج- حجم الناتج المحلي الصافي :
2365 – 1182.5 = 1182.5 مليار دولار             ( 2011 م )       (NDP )
لا أعتقد أن هناك جدلاً كبيراً في أن حجم الناتج المحلي GDP  ، معيار أصبح اليوم غير ملائم لأنه خادع و مضلل للدول التي تشمل عملياتها الإنتاجية على استخراج جزء كبير من ثرواتها الوطنية، وعلى من يريد المزيد فعليه الرجوع إلى أدبيات قياس الناتج المحلي الإجمالي. و بهذه المناسبة أنصح بقـــراءة التقريــــر الصــــادر مــــــن الهيئــــة المكلفة بقياس الأداء الاقتصادي و النمو الاجتماعي
(Report by the Commission on the Measurement of Economic    Performance and Social Program)
هذه اللجنة طلب بتشكيلها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في فبراير 2008م بسبب عدم رضا عن واقع القياس الإحصائي للاقتصاد[7] .
النقطة الهامة التي يجب التركيز عليها هي أن الناتج المحلي الإجمالي وهو الرقم الذي يرفع لأصحاب القرار و يعلن للشعب و يعمم على المؤسسات الدولية والمحلية على أساس أنه يعبر عن حجم الناتج المحلي للاقتصاد العربي، نصفه (50% ) ليس إنتاجاً و إنما استهلاك لرأس المال الوطني من بترول و غاز و معادن. لذا فإن الحجم الفعلي للعمليات الإنتاجية في العالم العربي هي أقل بكثير و قد تصل إلى نصف الأرقام المعلن عنها. الجدير بالذكر هنا أن نسبة الاستهلاك لرأس المال الوطني في معادلة الناتج المحلي الإجماليGDP  هي ذات حجم كبير في الاقتصاد العربي وخصوصاً في اقتصاديات الدول العربية المنتجة للنفط والغاز والمعادن مما يجعل استخدام مؤشر الناتج المحلي الإجمالي GDP وتجاهل استخدام و حساب صافي الناتج المحلي الإجماليNDP  لا يتلاءم مع هيكل الاقتصاد العربي الراهن الذي تسيطر على مجمل عملياته العمليات الاستخراجية (الاستهلاكية) للموارد الطبيعية البترولية و المعدنية و غيرها .
قد يختلف معي البعض في الأرقام سواء بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي أو بالنسبة لحجم الاستهلاك لكنني أعتقد أنه لن يكون هناك خلاف على المبدأ، وهو أن الناتج المحلي الإجمالي لا يعبر عن الناتج الفعلي لأنه يحمل في طياته حجماً كبيراً من الاستهلاك الذي اعتادت الدول العربية النفطية على إعطائه صبغة الإنتاج لتضخيم حجم اقتصادها و في ذلك تضليل للشعوب أصحاب القرار حتى و إن لم يكن ذلك مقصوداً.  

3-  نمط الإنفاق (Expenditure Pattern ):
ومما يزيد الطين بله أن حجم الإنفاق الاستهلاكي في العالم العربي من الناتج المحلي الإجمالي هو 59.2% في العام 2011 م [8]. كما يوضحه الجدول رقم (2).
فإذا كان الناتج المحلي الإجمالي يحمل في طياته ما نسبته 50% استهلاكاً لرأس المال الوطني، فإن إجمالي الاستهلاك الرأسمالي مضافاً إليه الاستهلاك الإنفاقي يبين بشكل واضح أن هيكل الاقتصاد العربي قائم على استهلاك رأس المال الوطني و تحويله إلى إيراد حكومي و إيراد خاص ينفق منه في المجال الاستهلاكي ما يقرب من60% من الناتج المحلي الإجمالي.

  
الجدول رقم (2)
الناتج المحلي الإجمالي حسب بنود الإنفاق
2000 و 2005 و 2010 و 2011 م
نسبة مئوية

الأهمية بالنسبة لبنود الإنفاق
معدل النمو السنوي بالأسعار الجارية
2000
2005
2010
2011
2000-2005
2009-2010
2010-2011
الاستهلاك النهائي
68.1
60.3
63.1
59.2
7.4
8.2
10.8
الاستهلاك العائلي
49.4
44.3
47.0
43.6
7.7
8.0
9.5
الاستهلاك الحكومي
18.8
16.0
16.1
15.7
6.6
9.0
14.8
الاستثمار الإجمالي
19.0
21.5
26.1
23.5
12.8
9.9
6.1
فجوة الموارد
12.8
18.2
10.8
17.3
......
.......
.......
صادرات السلع و الخدمات
44.6
54.8
51.3
55.5
14.7
22.2
27.6
واردات السلع و الخدمات
31.7
36.6
40.4
38.2
13.2
8.3
11.4
الناتج المحلي الإجمالي
100.0
100.0
100.0
100.0
10.1
15.5
18.0

التقرير الاقتصادي العربي الموحد : ص28 ، جدول رقم (5 )

وما ينطبق على الاقتصاد العربي بشكله التجميعي المبين في الجدول رقم (2)  ينطبق بشكل أكبر و أهم على الدول العربية المستخرجة للنفط و الغاز و على رأسها دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية في البترول و قطر في مجال الغاز.
واضح من هذه الإحصاءات أن الاقتصاد العربي اقتصاد يقوم على استهلاك موارده الرأسمالية الطبيعية وعلى استهلاك ما ينتجه من سلع و خدمات، تاركاً الجزء اليسير جداً للادخار و الاستثمار وهذا يعني أن الاقتصاد العربي لن يكون قادراً على الاستدامة طويلاً في إنتاج السلع و الخدمات التي يحتاجها الاقتصاد .فمن متطلبات التنمية المستدامة  أن يؤمن كل جيل استهلاكه من السلع و الخدمات من إنتاجه ويبقى منه جزء للادخار و الاستثمار لتستمر عجلة الإنتاج و التعويض عن الأصول الرأسمالية  والطبيعة المستهلكة خلال عملية الإنتاج. الاقتصاديات العربية تعتمد بشكل كبير على الاستخراج المتواصل لأصولها الطبيعية نفط وغاز ومعادن وأرض و ماء وتحويل هذه الموارد إلى سيولة مالية ( عملات صعبة ) يستهلك معظمها في إنفاق حكومي على:
أ‌-       دخل للأفراد على هيئة مرتبات وبدلات وإعانات تنقصه معايير الكفاءة والعدالة الاجتماعية

ب‌-  مشتريات حكومية : يشكل منها الإنفاق  العسكري والأمني جزءاً هاماً و للفساد المالي دور هام يلعبه.

ج- مشاريع حكومية : ينقص معظمها الجدوى الاقتصادية و ارتباطها بالعملية الإنتاجية ذات البعد طويل  الأمد  المتعلقة ببناء القاعدة الإنتاجية و في مقدمتها بناء الإنسان المتعلم المنتج.
لذا فإنه يمكن القول بوضوح أن الاقتصاديات العربية في مجملها واقتصاديات دول الخليج العربي بشكل خاص هي اقتصاديات تستهلك مواردها النفطية و غير النفطية بشكل غير متلائم ومتناغم مع إستراتيجية اقتصادية واستثمارية طويلة الأمد هدفها تحقيق تنمية شاملة ومستدامة للجيل الحاضر و الأجيال القادمة.

4- نمو الناتج المحلي ( Growth Rate ):
من المعلوم أن العامين 2010 ،2011 م ليستا من الأعوام التي نعم فيها الاقتصاد العالمي، وخصوصاً في أمريكا و أوروبا وهما المنطقتان الرائدتان في الحركة الاقتصادية العالمية . مقابل ذلك تطل علينا الإحصاءات العربية عن نمو الناتج المحلي في البلاد العربية بأرقام تفوق معدلات النمو في الدول الصناعية الكبرى، ويطل علينا التقرير الموحد للاقتصاد العربي بمعدلات نمو كبيرة و هامة للاقتصاد العربي و للفترة بين 2010م-2011م  (جدول رقم 3 ) .


جدول رقم (3)

نسبة مئوية
 
معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية 2010 – 2011 م
نسبة مئوية

الدول
معدلات نمو الناتج المحلي بالدولار
الدول
معدلات نمو الناتج المحلي بالدولار
بالأسعار الجارية
بالأسعار الجارية
2010
2011
2010
2011
الأردن
10.9
9.1
فلسطين
24.0
5.3
الامارات
9.3
19.3
قطر
30.2
36.6
البحرين
11.8
17.8
القمر
1.1
7.4
تونس
1.6
4.7
الكويت
13.1
34.3
الجزائر
17.2
21.9
لبنان
7.1
8.0
جيبوتي
7.6
9.7
ليبيا
25.2
-53.1
السعودية
21.0
31.0
مصر
15.9
7.9
السودان
10.5
-0.6
المغرب
1.0
2.3
سورية
11.3
0.3
موريتانيا
19.7
12.5
العراق
16.8
39.0
اليمن
10.4
-9.9
عمان
22.7
22.7
متوسط الدول العربية
15.5
18.0

المصدر : استبيان التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام2012 م وتقديرات المؤسسات المعدة للتقرير

حسب بيانات الجدول أعلاه حققت المملكة العربية السعودية نموً قدره 31% وحققت العراق نمو قدره 39%، وقطر 36.3% والجزائر 21.9 % والكويت 34.3%. ومن الواضح جداً أن معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي للدول العربية خلال الفترة 2010 -2011 م والذي بلغ متوسطه 18% لا يدل على نمو حقيقي لإنتاج حقيقي فمعدلات النمو هذه تعكس إلى حد كبير و بشكل جلي النمو في أسعار البترول أو في الكميات المستخرجة أو النمو فيهما معاً و ليس هذا بدوره إلا انعكاساً لما يشكله قطاع البترول والغاز في  تركيبة هذا الاقتصاد العربي حجماً و نمواً، و النتيجة هي أنه كما أن الناتج المحلي لا يعبر في الحقيقة عن حجم الإنتاج الفعلي فإنه كذلك لا يعبر معدل نموه، عن نمو اقتصادي حقيقي فعلي.

5. دخل الفرد (per capital Income  ) :
تحديد دخل المواطن العربي في الإحصاءات الاقتصادية التي تنشرها المؤسسات الحكومية العربية لا يخضع لعمليات استقصاء إحصائي بموجب عينات عشوائية لسائر الطبقات الاقتصادية في المجتمع. ما يحدث هو قسمة إجمالي الدخل المحلي مشتقاً من إجمالي الناتج المحلي على عدد السكان ليكون الناتج دخل الفرد. وحيث أن الناتج المحلي الإجمالي مبالغ فيه فكذلك الحال بالنسبة لدخل الفرد وإنتاجه لأن هذه المؤشرات هي حاصل قسمة الناتج المحلي على عدد السكان. الأمر لا يحتاج إلى عناء كبير للقول إن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة ووضع دخل المواطن  العربي كما هو الحال بالنسبة لوضح و حقيقة الناتج المحلي .
صحيح أن الكثير من الدول تستخدم معيار قسمة الناتج المحلي  على عدد السكان لكن الإشكالية مرة أخرى مرتبطة بالبسط في هذه القسمة، وهو الناتج المحلي الإجمالي الذي: أولاً لا يعبر عن الناتج الفعلي الصافي و ثانياً، و هذا مهم جداً، أن هذا "الناتج الإجمالي" جزء كبير منه يمثل عمليات استهلاك و ليس إنتاج ،فالدخل الفردي هنا لا يعكس الإنتاج الحقيقي للفرد كما أن الدخل الإجمالي أيضا لا يعكس الناتج الفعلي للدولة. لأن جزءاً كبيراً منه يمثل استهلاكاً للثروات الطبيعية، البترولية وغير البترولية. دخل الفرد في علم الاقتصاد مصدره الأساسي إنتاج الفرد وليس ما يحصل عليه من راتب حكومي أو مساعدات مالية لا علاقة لها بالإنتاج و الإنتاجية .  

6 . حجم الاستثمار (Investments  ) :
لقد أوضحت أن حجم الجانب الاستهلاكي من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد العربي كبير وهذا يتطلب حجماً استثمارياً كبيراً لتعويض الاهتلاك في رأس المال بجميع أنواعه.الاقتصاد العربي بوضعه الراهن يتطلب استثماراً يعوض عن حجم الاهتلاك لرأس المال الطبيعي (بترول،  غاز، معادن، ماء، تربة وهواء، سمك في البحار .... الخ ) من جهة و من جهة أخرى يتطلب استثماراً في المصانع و الآلات الرأسمالية الإنتاجية لتعويض الاهتلاك في هذه المعدات وللمحافظة على مستوى الإنتاج أو زيادته.
حجم الاستثمار الإنتاجي في الاقتصاد العربي الكلي و القطري لا يتمشى على الإطلاق مع متطلبات التنمية المستدامة  لسبب أن رأس المال الطبيعي القومي يتهالك دون استثمار يعوض هذا الاستهلاك كما أن عمليات الإنفاق الحكومي و الخاص يغلب عليها طابع الإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنفاق الاستثماري اللازم لتعويض الاستهلاك في المعدات الرأسمالية. و لمعالجة هذا الأمر تبنت الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص استراتيجيات تنموية جعلت لتنويع مصادر الدخل (Diversification) أولية هامة في خططها الخمسية[9] . لكن، و كما هو الحال في معظم جوانب الأداء الحكومي المسيطر على جميع نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالم العربي، كان ولا يزال الأداء الحكومي في جانب تنويع مصادر الدخل ضعيفاً جداً بل أنه من الناحية النسبية أصبح الوضع الآن أكثر سوءاً مما كان عليه. لذا، وكما سبق لي أن ذكرت في مقالات[10] و محاضرات سابقة، فإنه ما لم تقوم هذه الدول باتخاذ إجراءات جذرية و حاسمة لإعادة هيكلة اقتصاداتها الوطنية للحد من استهلاك رأس المال الوطني والحد من الإنفاق الاستهلاكي والتبذير والإعانات الضارة والحد من الفساد الإداري و المالي فإن الدول العربية بشكل عام وتلك التي تعتمد على استخراج و استنزاف البترول والغاز والمعادن تتجه نحو الهاوية الاقتصادية.

7. الاستثمار في رأس المال البشري ( Human capital)
العالم  العربي من أكثر دول العالم من حيث معدلات النمو السكاني ومن أضعفها في مجال التنظيم الأسري و الحد من النمو السكاني المفرط . في المملكة العربية السعودية على سبيل المثال معدل النمو السكاني 3.2% وهو من المعدلات المرتفعة عالميا[11]. وقد بلغ إجمالي عدد السكان في الدول العربية للعام 2011م 362 مليون نسمة  بزيادة وصلت إلى حوالي 8 مليون نسمة في العام 2010[12] م من جهة أخرى فإن مستوى التعليم في العالم العربي منخفض  في جميع المستويات الابتدائية و المتوسطة وحتى الجامعة وما بعدها و بالتالي فإن المحصلة النهائية لبنية العقل العربي فيما يتعلق بالعلوم التقنية والرياضية والفيزياء والكيمياء و غيرها ضعيف جداً مقارنة بالمتطلبات التقنية لتشكيل و إدارة المصانع و المعامل و الآلات و المعدات و الأنظمة الحديثة اللازمة لإنتاج السلع و الخدمات. بمعنى آخر فإن مخرجات التعليم في العالم العربي لا تتواءم من حيث مكوناته العلمية و التقنية مع متطلبات وحاجات سوق العمل .
الدول العربية بشكل عام ودول الخليج العربي بشكل خاص الغنية بمواردها النفطية يسيطر فيها فقه العلوم الدينية على فقه العلوم التقنية وهذا الوضع الغير متوازن بين العلوم الفقهية و الأدبية من جهة و العلمية من جهة أخرى يحد من أثر الإنفاق المالي الحكومي على تحسين و تطوير التعليم . الطبقة الاجتماعية ذات الفقه الديني المتشدد لها سيطرة و تأثير واضح على حركة التطوير في مناهج التعليم و أسلوبه و الذي يقوم على منهج الشك بحثاً عن اليقين كأسلوب في التعليم و الفهم و تنمية العقل الباحث عن الحقيقة الذي يرفض تلقي الحقائق كأمر مسلم به لا يقبل السؤال و الاستفسار . ورغم أن الدين الإسلامي في نسخته القرآنية و الثابت من حديث النبي (r) يرفض هذا النهج الذي يلغي دور العقل و يحد من حركته و يطالب بإعمال العقل ( أفلا تعقلون ، أفلا تبصرون ) إلا أنه مع الأسف سيطر هذا المنهج على بنية العقل العربي في مراحله المدرسية و الثقافية.
من ناحية أخرى فإن حالة الفقر المنتشرة في بعض المناطق المكتظة بالسكان تحد من نشر التعليم وتطويره وذلك بسبب شح الموارد المالية لدى هذه الدول أو لسوء توزيعها وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية في الدول ذات الموارد المالية الكبيرة.
المحصلة النهائية إن العقل العربي محروم في مرحلة التكوين العلمي (المرحلة المدرسية) من بناء القواعد العلمية والمنطقية الأساسية التي تؤسس لبناء عقل عربي علمي تقني قادر على الإنتاج والإبداع و الابتكار . لقد تغيرت متطلبات العملية الإنتاجية فلم تعد قوة رأس المال ولا الموارد الطبيعية أساساً لكل شيء بل أصبحت القوة العلمية والتقنية للفرد والمجتمع من أهم متطلبات التقدم الاقتصادي المادي و الحضاري. متطلبات العملية الإنتاجية الحديثة فرضت نفسها وانعكست مطالبها وشروطها على سوق العمل في البلاد العربية، لكن المعروض في سوق العمل العربية من العمالة الوطنية يمثل مخرجات الجامعات و معاهد التدريب و التعليم الوطنية ذات المنتج الضعيف علمياً ومهنياً وكما يقال فاقد الشيء لا يعطيه. وحيث أن الخطط الاقتصادية العربية وخصوصاً في دول مجلس التعاون بدأت بالآلة قبل الإنسان، وحيث أن المصانع لا تنتظر وعجلة الإنتاج لابد أن تدور، كان لزاماً على هذه الدول فتح أبوابها للعمالة الأجنبية لتشغيل و صيانة مصانعها ومعاملها و منشآتها . ومع زيادة الدخل البترولي وزيادة معدلات الرفاهية الاستهلاكية في الدول البترولية العربية فتح أيضا باب استقدام العمالة الأجنبية الخدمية وهكذا امتلأت سوق العمالة في الدول العربية البترولية بالعمالة الأجنبية لتشكيل وإدارة عجلة الإنتاج على حساب العمالة الوطنية ذات التأهيل العلمي المتواضع، و سوق العمل في المملكة العربية السعودية مثال جيد لهذه الحالة.
و بدلا من أن توجه دول الخليج العربي ذات الموارد البترولية الكبيرة جهودها لحل هذه المشكلة وذلك بالرجوع إلى أسبابها الرئيسية المتعلقة بالتعليم وإعادة هيكلته بشكل قوي وجذري ليتواءم مع متطلبات العصر الحديث و تكنولوجيا الإنتاج، هرعت هذه الدول إلى تبني حلول ظاهرية سطحية أسمتها بخطط السعودة في السعودية و القطرنة في قطر و الكوتنة في الكويت والأمرتة في الإمارات.  هذه البرامج التي يقصد بها إيجاد وظيفة للمواطن العاطل عن العمل كيفما اتفق وكيفما كان نوع الوظيفة و إنتاجها هي في الحقيقة هدر للمال العام و الأهم منه هدر لعقل المواطن من الشباب والشابات و ذلك بمحاولة تأمين وظيفة لهم كيفما كانت، ليرفع الاسم من قوائم العاطلين عن العمل،و تنخفض الأعداد و تعلق الدولة على لسان وزرائها المعنية في الأمر بأن الدولة حققت زيادة في نسبة التوظيف و انخفاضا في نسبة البطالة. ومع مضي الزمن تنتهي الفترة العمرية للتعلم لهؤلاء  الشباب ويبقى معهم علمهم الذي لا يغني و لا يسمن من جوع بعد أن كبروا و تعداهم الزمن وكبرت التزاماتهم العائلية وأصبحوا مؤهلين للالتحاق بالشرائح الاجتماعية ذات الدخل المنخفض جداً التي تلتمس القوت و المعونة من الدولة وهذا هو الضياع و الهدر للطاقة البشرية الوطنية ، وليس البناء و التطوير للقوى البشرية كما يدعى .  
خلاصة القول أن رأس المال البشري Human capital  في دول العالم العربي الغنية والفقيرة يتعرض لهدر كبير بسبب ضعف الاستثمار الوطني في بناء العقل العلمي و التقني للفرد العربي.
الحكومات العربية ينصب اهتمامها الأول على الإنفاق الاستهلاكي أما فيما يتعلق بالإنسان من تعليم و صحة و سكن فهو في المقدمة فقط في الخطط و الخطب والبرامج الإعلامية، أما من حيث الألوية الفعلية والإنجاز الحقيقي فهو ليس كذلك. الاقتصاد العربي لن يرتفع إنتاجه حجماً و معدلاً إذا لم يتم رفع مستوى الكفاءة الإنتاجية للفرد العربي رجلاً و امرأة و هذا الأخير لن يتم إلا إذا تم الاستثمار الحقيقي في بناء عقل عربي عالم منتج مبدع ومتحضر .
8. البطالة Unemployment
يصعب الحديث عن واقع الاقتصاد العربي دون الحديث عن البطالة بنوعيها الظاهر و الباطن . البطالة التي يعاني منها معظم القادرين على العمل و الباحثين عنه في البلاد العربية هو انعكاس و نتيجة لخلل في تركيبة الاقتصاد و إدارته ، ومن أهم مكونات الخلل في الاستراتيجية الاقتصادية العربية هو ضعف الاستثمار في بناء العقل العربي المسلح بالعلم و بالمهارة الفنية و التقنية ، و الانصراف عنه إلى الإنفاق و الاستثمار في مشاريع لا تتواءم احتياجاتها للعمالة مع الإمكانات الفنية و التقنية للمواطن ، ويبدو ذلك أكثر وضوحاً في دول مجلس التعاون النفطية . كما يساهم في حجم البطالة الانفجار السكاني في معظم الدول العربية فهذا النمو السكاني المتصاعد يبتلع كل نمو يتحقق في الإنتاج . هذا فيما يتعلق بالبطالة المباشرة أو الظاهرة أما فيما يتعلق بالبطالة المقنعة فلا يحتاج الأمر إلا زيارة لأي وزارة حكومية في العالم العربي لترى تكدس الموظفين وزيادة أعدادهم مرات عن الحاجة الحقيقية من العمالة الوطنية لتلك الدائرة أو الوزارة . البطالة سواء الظاهرة أو المقنعة في العالم العربي ، هي محصلة إشكالات و قضايا بنيوية و أساسية في استراتيجية التنمية الاقتصادية في كل بلد عربي من جهة يضاف إلى ذلك ضعف الكفاءة الحكومية في إدارة الاقتصاد . فالنقص في كفاءة و ملائمة الاستراتيجية الاقتصادية ،الضعف في كفاءة الإدارة الحكومية المعنية بالشأن الاقتصادي، كل هذه الأمور مجتمعة أدت و تؤدي إلى ضعف الإنتاج و ضعف النمو ، وزيادة حجم البطالة .
يقول التقرير الاقتصادي العربي الموحد للعام 2012 م[13] (( و رغم الجهود المبذولة في عدد من الدول العربية للتخفيف من البطالة إلا أن معدلاتها لم تتغير بشكل ملحوظ خلال الخمس سنوات الماضية )) ويوضح الجدول التالي رقم( 4) تطور معدلات البطالة في بعض الدول العربية .
الجدول رقم (4)
تطور معدلات البطالة في بعض الدول العربية
نسبة مئوية
الدولة
2007م
2008 م
2009 م
2010 م
2011 م
الأردن
13.1
12.7
12.9
12.5
12.9
البحرين
4.0
7.0
4.0
3.8
3.7
تونس
12.4
12.4
13.3
13.0
18.9
الجزائر
13.8
11.3
10.2
10.0
9.8
سورية
9.2
10.9
8.5
8.6
14.9
فلسطين
21.5
21.6
21.5
26.6
26.6
مصر
8.9
8.7
9.4
8.9
11.9
المغرب
9.8
9.6
9.1
9.1
8.9
اليمن
312.0
015.0
14.6
14.3
18.0

و يبين الجدول أن متوسط معدل البطالة في العالم العربي بحوالي 16% و هذا يعتبر من المعدلات العالية في العالم . و مما يزيد الأمر سوءاً ، أن البطالة في العالم العربي تتركز في شريحة  الشباب و تصل النسبة في العاطلين من الشباب في العالم العربي إلى 50% من حجم العاطلين عن العمل .


9.  حجم الحكومة و الفساد المالي و الإداري
Government size & Corruption
رغم أن جميع الدول العربية وخصوصاً دول مجلس التعاون، تعتمد الاقتصاد الحر منهجاً اقتصادياً لها إلا أن حجم الاقتصاد العام Public Economy  ومعه حجم الأجهزة الحكومية ومؤسساتها يحتل موقعاً أساسيا ومهماً في هيكل الاقتصاد لكل دولة. اقتصاديات الدول العربية لم يصل فيها نظام السوق الحر وما يتبعه من دور هام لمؤسسات القطاع الخاص وشركاته إلى المستوى العالي من الانضباط بالمعايير السليمة للاقتصاد الحر مثل المنافسة العادلة والإفصاح والالتزام بدفع الضرائب وذلك بسبب غياب القوانين الخاصة بضبط إيقاع حركة السوق على نغمة الاقتصاد الحر وعدم كفاءة الأجهزة الرقابية الحكومية المعنية بالتنظيم والأشراف على حركة الأسواق وعملها في منظومة الاقتصاد الحر  لذلك فإنه قد يكون من الضروري أن تلعب الحكومة و مؤسساتها العامة دوراً كبيراً في العمليات الاستثمارية و التوظيف والقيام بالخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية المختلفة إلى جانب تشييد وتطوير البنى التحتية، لكنه رغم هذه الضرورة المرحلية إلا أن حجم الحكومة ممثلاً بوزاراتها و مؤسساتها المختلفة يزيد كثيراً عن الحد الأمثل أو شبه الأمثل Optimum size  المطلوب لإنتاج السلع و الخدمات العامة Public goods & Services  . لقد تضخمت الأجهزة الحكومية بشكل كبير و زاد عدد موظفيها ، فأصبحت الجهة الأكبر في تشغيل المواطنين وبزيادة العدد عن الحاجة يقل مستوى الأداء الفردي و تنمو الشبكة البيروقراطية، فتزيد من ضعف الأداء الحكومي والبطء في إنجاز المعاملات الخاصة بالمواطنين من أفراد و شركات و ضمن هذا الجو الإداري الحكومي ينمو الفساد الإداري و المالي ويترعرع و يدفع ثمن ذلك كله المواطن من الميزانية العامة أو من معاناته في إنجاز أعماله و اضطراره إلى تقديم الرشوة والمساهمة في نمو الفساد و إشاعته.
نظرة عابرة على الأبواب المتعلقة بالرواتب و البدلات في الميزانيات الحكومية، تبين أن هذا الباب يستحوذ على ما يربو على 50% من إجمالي الميزانية. ففي المملكة العربية السعودية يبلغ حجم الباب الأول و الثاني من الميزانية العامة للدولة والخاص بالرواتب والبدلات لجميع موظفي الدولة، ما يصل إلى حوالي  60% من إجمالي الميزانية العامة للعام 2013م [14].
الإنفاق العام ضروري للاقتصاد سواء في الدول المتقدمة أو النامية لكنه في الأخيرة أي النامية ومنها الدول العربية أكثر ضرورة لكن ذلك لا يعني أن يكون الفساد و التبذير مصاحباً له. ومن العوامل الرئيسية المساهمة في زيادة حجم الهدر المالي و التبذير في الإنفاق الحكومي مع ما يصاحبه من فساد مالي وإداري هو غياب المؤسسات السياسية التشريعية والقضائية المعنية بمساءلة ومعاقبة الجهاز الحكومي في هدر الأموال العامة و إساءة استخدامها ،غياب المؤسسة التشريعية والقضائية الحقيقية و ليست الوهمية،و المستقلة وليست التابعة، من أهم الأسباب في تردي الأداء الحكومي في الدول العربية و ما يتبع ذلك من آثار سلبية على الأداء الاقتصادي .

10. التشرذم العربي اقتصادياً و سياسياً
Lack of Political and Economic Integration
 الشرذمة لغة هي الجماعة القليلة من الناس والتشرذم السياسي هو تقطيع الجسم العربي (الأمة العربية) إلى دويلات صغيرة لتصبح شراذم بدلاً من أن تكون أمة واحدة.
الاقتصاد العربي بمفهومه الجمعي و التكاملي اليوم ليس إلا أملاً أو حلماً في أحسن حال  لأنه في الواقع المعاش لا توجد إلا دويلات عربية كل لها اقتصادها الوطني المستقل و المرتبط في معاملاته التجارية و الاقتصادية مع العالم غير العربي بشكل أكبر بكثير من ارتباطه بالدول العربية الأخرى. فالصادرات العربية البينية بلغت نسبتها من إجمالي الصادرات العربية 8% في عام 2011 م  أما الواردات العربية البينية فبلغت 12.3 % في عام 2011 م [15] .



الجدول رقم (5)
مساهمة التجارة البينية في التجارة العربية الإجمالية
(2007 – 2011 م )
(نسبة مئوية)

2007
2008
2009
2010
2011
نسبة الصادرات البينية العربية إلى إجمالي الصادرات العربية
8.9
8.9
10.7
8.5
8.0
نسبة الواردات البينية العربية إلى إجمالي الواردات العربية
12.1
13.3
11.3
11.8
12.3
المصدر : التقرير العربي الموحد 2012 م – جدول رقم (4) ص 175
أما في مجال الاتحاد الجمركي أو المناطق الحرة والاستثمار و حركة الأموال و الأفراد فالنسب ضعيفة جداً و العراقيل في ازدياد. و في مجال تنسيق السياسات الاقتصادية مع العالم الخارجي سواء مع الاتحادات العالمية مثل الاتحاد الأوروبي و المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء و التعمير فحدث ولا حرج .
بشكل عام فإنه يمكن القول أن الوحدة أو الاتحاد أو التعاون الاقتصادي العربي هو في أدنى مستوياته، وإن التشرذم الاقتصادي العربي ممثلا في ضعف التعاون و التكامل والتنسيق في الاقتصاد العربي إن هو إلا انعكاس لحال التشرذم السياسي الذي يعيشه العالم العربي اليوم .
الوحدة العربية ورغم ما أصاب تجاربها السابقة من فشل و انهيار و ما أصاب فكرها و مفكريها من ردة و نكوص فإنها تظل حلماً و أملاً يراود الفرد العربي بشكل عام ليس بمفهومها العرقي و لكن بمفهومها التراثي، الثقافي ،الاجتماعي والجغرافي . الوحدة أو الاتحاد السياسي والاقتصادي هو بحكم المنطق و الحسابات المادية فيه تعظيم للمصلحة القطرية بمفهومها الشامل، فقد يخسر القطر في جانب لكنه يربح أكثر من حجم الخسارة في جوانب أخرى. و مع تعظيم المصالح القطرية تتعاظم المصالح القومية في كل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية و تتعاظم معها جميعاً مصلحة و رفاهية الفرد العربي.

ثانياً : استشراف مستقبل التنمية في العالم العربي:
لكي تحقق الدولة العربية تقدماً في مجال التنمية الاقتصادية فإنه لابد لها من القيام بإجراء هيكلة إستراتيجية Strategic Restructure  في مجالين رئيسين :
1-  الهيكلة السياسية .
2- الهيكلة الاقتصادية .

ا- الهيكلة السياسية :
أ‌-    لم تشهد البلاد العربية منذ بدأ تاريخها السياسي كدول حكماً ديمقراطياً بل كان الحكم منذ بداية التاريخ العربي الإسلامي في يد الخليفة يستمد شرعيته من فقه إسلامي انحاز بفكره و فقهه للحكم الفردي  مقابل مبدأ حكم الشورى القائم على رأي الأمة و الجماعة  وهو النهج الثابت في التشريع الإسلامي المرادف للحكم الديمقراطي بمفهوم العصر الحديث . فمنذ بداية الدولة الأموية لم يشهد العالم العربي حكماً سياسياً قائم على إرادة الشعب و حقه في تقرير و انتخاب من يحكمه ويدير شؤونه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية, و استمر الأمر كذلك و بأشكال و نماذج مختلفة حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي و العشرين عندما جاء الربيع العربي و بزغت شمسه من تونس و امتدت شرقاً لتشمل بشكل مباشر ليبيا و مصر و سوريا و اليمن و بشكل غير مباشر جميع الدول العربية الأخرى .
النظريات الاقتصادية المتعلقة بموضوع التنمية بدأها و أسس معادلاتها الأولى علماء الاقتصاد في العالم الغربي [16] . كان مفهوم التنمية محصوراً أو مرتبطاً بشكل كبير بمفهوم النمو Growth  في الإنتاج . وكان البحث ينصب حول العوامل الأساسية المرتبطة بتطوير و زيادة عملية الإنتاج فمنهم من ركز على أهمية رأس المال و منهم من ركز على أهمية العمل و منهم من نظر إلى الاستثمار الأجنبي  لكن القليل جداً منهم نظر إلى العامل السياسي كمحدد أو كشرط هام و أساسي  لعملية التنمية بمفهومها الشامل. و كان من أهم من أشار إلى أهمية الدور السياسي و الاجتماعي في التنمية الاقتصادية هو الاقتصادي Miyridal   Gunnarو ذلك في كتابه الشهير مع مجموعة من الاقتصاديين الدراما الآسيوية (Asian Drama)[17]. إن أدبيات التنمية الاقتصادية من منابعها في العالم الغربي، لم تكن مهتمة بالعامل السياسي لأن البلاد الغربية التي خرجت من الحروب العالمية و حروبها الإقليمية كانت قد تجاوزت مرحلة البناء السياسي على الأقل فيما يتعلق بهيكله الأساسي أي الانتقال من المرحلة الديكتاتورية و حكم الفرد إلى المرحلة الديمقراطية و حكم الشعب . لذا فإن الفكر الاقتصادي المتعلق بالتنمية الاقتصادية القادم من الغرب حصر المشكلة في حدودها الضيقة أي في عملية زيادة الإنتاج . بعد الحرب العالمية الأولى و الثانية  استقلت معظم الدول العربية من السيطرة الأجنبية و أعيد رسم خرائط الجغرافية السياسية العربية من قبل الدول الاستعمارية، وجاءت حكومات وطنية محل الحكومات الاستعمارية . هذه الحكومات الوطنية كانت في معظمها ذات طابع فردي عسكري أو ملكي. كما أن الشعوب العربية في ذلك الوقت لم تكن على قدر من الوعي السياسي بالنهج الديمقراطي بل على العكس من ذلك كانت الشعوب أميل وأقرب من حيث مرحلتها التاريخية و طبقاتها الاجتماعية إلى الحكم القبلي أو العائلي .
للتخلف الاقتصادي في العالم العربي أسباب عديدة لكن التخلف السياسي كان له دور هام و فاعل في إعاقة التنمية الاقتصادية و إحداث ثورة أو نقلة اقتصادية تأخذ بالدول العربية من مرحلة الاعتماد على الزراعة و الرعي و استخراج المعادن و البترول إلى مرحلة التقدم الصناعي و التكنولوجي . لقد ظل الاقتصاد العربي متخلفاً لأسباب عديدة كان أحدها و أهمها غياب المؤسسات السياسية البرلمانية و القضائية المشرفة على الأداء الحكومي الاقتصادي و الاجتماعي و غابت هذه المؤسسات السياسية  بحكم غياب النظام الديمقراطي و إن كانت موجودة صورياً تعمل تحت مظلة الحكومة و سيطرتها .
غياب المؤسسات السياسية و القضائية وهي ثنائية من الثلاثية المكونة للنظام الحكم السليم (السلطة  التنفيذية و التشريعية و القضائية) أدى إلى غياب المساءلة و العقاب، وتقول العرب من أمن العقوبة  أساء الأدب، و بالفعل أساءت الحكومات العربية إدارة موارد الأمة الاقتصادية و تحقيق تنمية مادية و بشرية تعظم الناتج الفردي و القطري والعربي و تبني الاستراتيجيات و السياسة الاقتصادية اللازمة لوضع الدول العربية على طريق تحقيق تنمية اقتصادية شاملة و مستدامة .
الهيكلة السياسية لابد أن تشمل بناء القواعد الأساسية التالية :
1-  الدستور :
دستور توافق عليه الأغلبية الكبرى من الشعب يؤسس على القيم الاجتماعية و السياسية والاقتصادية  و الدينية التي تعتنقها الغالبية العظمى من الأمة . ويكون الدستور مصدراً للتشريع و سن القوانين و حكما بين السلطات و المؤسسات السياسية المختلفة .

2-  مجلس الأمة :
(برلمان)  يمثل آمال الشعب و طموحاته تمثيلاً حقيقياً من خلال انتخابات حرة و نزيهة له صلاحية التشريع و الرقابة على الأداء الحكومي .

3-  مؤسسة قضائية مستقلة :
تتولى تحقيق العدل بين الشعب من جهة و بين الشعب و الدولة من جهة أخرى . تستمد سلطتها القضائية من الدستور و تكون رقيبا على تطبيق القوانين التي سنها المشرع(البرلمان )  

4-  حكومة منتخبة :
حكومة منتخبة من قبل الشعب أو بواسطة ممثلي الشعب في البرلمان تنتخب بناء على برنامج تقدمه الحكومة تقبل به الأمة وتُحكم بموجبه.
العبرة ليست في إنشاء هذه المؤسسات السياسية الهامة فهي موجودة في معظم الدول العربية لكنها عاطلة أو معطلة عن العمل . العبرة الحقيقية هي في وجود حرية سياسية تؤهل لوجود وعي سياسي لدى المجتمع يكون الضامن الحقيقي لوجود دستور يعبر عن آمل الأمة و تطلعاتها المستقبلية ويكرس قيم الحرية و العدالة . وإلى جانب الدستور و انطلاقا منه انتخابات حرة و نزيهة ، تؤسس لقيام كل المؤسسات السياسية اللازمة لقيام نظام ديمقراطي يؤدي إلى حكم راشد سليم ويكون القاعدة الأساسية لتحقيق التطور و النمو الاقتصادي و الاجتماعي و الحضاري . الهيكلة السياسية هي شرط أساسي و هام لقيام تنمية اقتصادية تحقق للأمة نمواً حقيقياً في الإنتاج و الدخل قائماً على تعظيم وزيادة مستوى إنتاجية الفرد per Capital Productivity  و الانتقال به من حالة استقبال المعونات و الهبات الحكومية إلى مرحلة صنع الإنتاج و الدخل وتمويل خزينة الدولة و ميزانياتها من فائض دخله المتمثل في دفع الضرائب على الأرباح ، هنا وهنا فقط يصبح الشعب هو الحاكم الحقيقي والممول للدولة، يسألها و يحاسبها عن كل قرش أودعه في حسابها بدلا من الحال الراهنة التي يقف فيها الشعب على باب الدولة منتظراً دعمها و هباتها و عطفها. في هذه الحالة الثانية يكون الحاكم وحكومته هو السيد و الشعب هو التابع و المطيع، وهذه هي حال كل الحكومات و حال كل الشعوب العربية. لقد بدأ المشوار التاريخي لنقل السلطة من يد الحاكم الفرد إلى الحاكم الشعب و ذلك مع انطلاق الربيع العربي في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وبدون هذه النقلة التاريخية العظيمة للسلطات الثلاثة التشريعية و القضائية و التنفيذية من يد الحاكم إلى يد الشعب لن تكون هناك تنمية اقتصادية حقيقية.

الربيع العربي و الاستقرار السياسي
الربيع العربي بدأ بالانتفاضة الشعبية التي فجرها الشعب التونسي فانتقلت شرارتها ثم لهيبها إلى مصر و ليبيا، وسوريا و اليمن. هذه الانتفاضة لم تكن انقلاباً أو ثورة ككل الثورات التي عاشها الوطن العربي منذ الخمسينات من القرن الماضي. إنها في الحقيقة ثورة و بركان منابعه وقوته مصدرها الغالبية العظمى من الشعب ومن الشباب منه على وجه الخصوص.
للربيع العربي أهدافه التي أُعلن عنها و نزلت الجماهير إلى الشوارع و الميادين لتحقيقها، وكان تحقيقها يتطلب تغييراً جذرياً و شاملاً للنظام العربي في الحكم، تغييراً مبنياً على نقل السلطة من يد الفرد أو الجماعة إلى يد الشعب ممثلاً بالمؤسسات الديمقراطية.
هذا حدث جديد في التاريخ العربي القديم والحديث يشمل أولاً على نزع جذور و مكونات النظام السابق، وثانياً استحداث نظام ديمقراطي جديد، يجعل السلطة و القرار في يد الشعب. ترجمت هذه الأهداف من شعارات إلى واقع ملموس يتطلب سنين كثيرة حتى يتم نزع النظام القديم و بناء النظام الجديد.
فترة الانتقال و ما تشمله من تفكيك و تركيب لا بد أن تكون موسومة بالقلاقل و عدم الاستقرار السياسي، إنه مخاض لابد منه وطريق لابد من عبوره. عدم الاستقرار السياسي بما فيه من فوضى وعنف جعلت من لا يدركون أهمية هذه النقلة التاريخية، ولا يدركون صراع القوى التي سوف تحارب من أجل البقاء و الوقوف في وجه التغيير يشعرون بخيبة أمل و إحباط، بل أن بعضهم بدأ يأخذ موقفاً غير مؤيد متمنياً العودة للماضي . عدم الاستقرار السياسي في مرحلة العبور أثرت على الأداء الاقتصادي بكل جوانبه التشغيلية والاستثمارية ، وهذا أمر طبيعي و متوقع . يقول الشاعر العربي:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى             حتى يراق على جوانبه الدم
و أظن أنه ليس هناك من شرف أرفع و أعظم من شرف تعديل المسار التاريخي للأمة من طريق الظلم و التسلط و الديكتاتورية الفردية إلى طريق حكم الشعب و الديمقراطية. هذا التعديل الجوهري والبنيوي في حركة التاريخ و التطور له تكاليف و يتطلب زماناً لكي يستقر. هذه حال ليست خاصة بالشعوب العربية و لكنها كانت حال كل الشعوب التي سبق لها أن غيرت مسارها التاريخي. إنني متفائل و سبب تفاؤلي أن الحكم العربي الذي يعتمد على رأي الأمة هو أصوب و أعدل من حكم الفرد أياً كان.

ثانياً : الهيكلة الاقتصادية
كما أشرت سابقاً ، فإن الهيكلة السياسية شرط أساسي لوجود تنمية اقتصادية حقيقية تطور و تعظم إنتاجية الفرد و تحقق الشروط اللازمة لذلك و تحل محل خطط التنمية الاقتصادية الراهنة في جميع البلاد العربية  التي هي كما أوضحت في الجزء الأول من هذه الورقة ليست تنمية للإنتاج والتقدم وإنما هي استهلاك للثروات الوطنية ، ودفع في اتجاه الهدر والاستهلاك وتجاهل لأهمية بناء قدرات و إمكانات قدرات العقل العربي الإنتاجية و الإبداعية .
الهيكلة الاقتصادية كما هي حال الهيكلة السياسية ، لابد أن تكون على مستوى القطر العربي أولاً  تأخذ ملامحها و سياساتها من الظروف المحلية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وهذا بدوره سيفضي دون شك إلى تعديل المسار الاقتصادي العربي بإطاره الجمعي العام ، وفيما يلي أهم المقومات الأساسية للهيكلة الاقتصادية :
1-  هيكلة القطاع الحكومي .
يلعب القطاع  الحكومي دوراً كبيراً في تشكيل و إدارة و تمويل الاقتصاد في جميع الدول العربية.ويصاحب هذا الدور الكبير دور مقابل له في السيطرة على السياسات و القرارات الاقتصادية و المالية و ما يتبعها من آليات و مؤسسات تنفيذية.
هذه الثنائية المتمثلة في القوة المالية التي تملكها و تديرها الدولة( الميزانية و الخزينة) والسلطة التي تنبع منها و تصاحبها ، مع غياب الحسيب و الرقيب المجتمعي و المؤسسي أدت إلى زيادة و انتشار حجم الفساد و الهدر المالي .
الهيكلة الاقتصادية ، لابد أن تشمل على هيكلة للقطاع العام تهدف إلى الوصول به و بالعمالة التي بداخله ( الموظفين ) إلى الحجم الأمثل الذي يتمشى مع الدور الاقتصادي الذي يجب أن تلعبه الدولة ، و اتساقاً مع المرحلة التي يعيشها الاقتصاد الوطني ، ومع حجم ودور و فعالية القطاع الخاص بحيث يكون دور القطاع العام مسانداً و ليس بديلاً للقطاع الخاص .
القطاع الخاص هو الجهة التي يفترض حسب المنهج الاقتصادي الحر الذي تتبناه جميع الدول العربية ، أن يكون معنياً و مسؤولاً عن إنتاج السلع و الخدمات ، تاركاً للقطاع العام إنتاج السلع والخدمات التي لا يستطيع إنتاجها إما لضخامة حجم المخاطر أو لكبر حجم الاستثمار ، أو أن السلع و الخدمات لا تخضع لعمليات أو أسعار الأسواق التجارية . من حيث المبدأ العام، فإن على الدولة أن تعنى بما يتعلق بتأمين الخدمات و السلع التي يعجز عنها القطاع الخاص، إما لأسباب تتعلق بضخامة حجم الاستثمار أو حجم المخاطر المتعلقة بإنتاج هذه السلعة والتي تظهر عادة في المراحل الأولى للإنتاج و خصوصاً في الصناعات و المشاريع الإستراتيجية طويلة الأمد .
إن عملية التوازن في الحجم و العمليات بين القطاع العام و القطاع الخاص يجب أن تكون مرتبطة بالاستراتيجيات الاقتصادية طويلة الأمد ، التي يبنى عليها الهيكل الاقتصادي العام للدولة.

2-  تطوير و تعظيم كفاءة الفرد و قدراته الإنتاجية .
الحرية الاقتصادية عمودها الفقري حرية الفرد  في اتخاذ القرارات الاقتصادية فيما يتعلق بالإنتاج والاستهلاك و الادخار و الاستثمار و في كل الأمور المالية المتعلقة بها.
إنتاجية الفرد و كفاءته مرتبطة بشكل كبير جداً بمستواه التعليمي و العلمي و الفكري و قدراته المهنية و التقنية وحالته الصحية، فكلما كان الفرد متعلماً كلما كان أكثر قدرة على رفع مستواه الإنتاجي و أكثر قدرة على اتخاذ القرارات السليمة لذا فإن العمود الفقري في الهيكلة الاقتصادية يجب أن يقوم على بناء الإنسان علما و صحة ، فالعقل السليم في الجسم السليم .
بناء الإنسان  العالم المبدع المتمتع بالصحة و الأمن من الفقر هو القاعدة الأساسية التي يبنى عليها الهيكل الاقتصادي للأمة. انشغل العالم العربي بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص في بناء المجمعات الإسمنتية و الحديدية أولاً و جعلوا بناء الإنسان العربي القادر على تشغيل و صيانة هذه المعدات و المصانع و البنى التحتية في وسط أو قاع الأوليات.
شراء المصانع ذات التقنية العالية و استيرادها أمر سهل على الحكومات العربية مادام في المال وفرة لكن بناء عقل الإنسان وإخراجه من حالة الجهل و التخلف إلى العلم و التقدم أمرٌ ليس بسهل بل دونه الكثير من العوائق الاجتماعية و السياسية. وبدلاً من أن تواجه الحكومات العربية المشكلة الأساس أي تغير حالة الفرد العربي بكل جوانبها التعليمية و الاجتماعية و الصحية و المالية، انصرفت عنه و اتجهت إلى بناء المجمعات الصناعية و الترفيهية و السكنية و استيراد أحدث المعدات ووسائل الترفيه ،مما فرض عليها ضرورة استيراد العمالة الأجنبية والانصراف إلى التشغيل و صيانة المعدات و الآلات التي وصلت قبل وصول الإنسان المواطن المهني القادر على تشغيل الآلة و صيانتها  بدلا من أن تصرف هذه الجهود و هذه الأموال على الإنسان أولا ثم تعقبه ببناء الآلة و ما يتبعها.
إن توطين التقنية، يحتاج إلى حاضن بشري وطني يتلقاه وحيث أن الفرد العربي لم يكن علمياً وتقنياً قادراً على تلقي التقنية و العمل بها ومعها ، فإن التقنية المصاحبة للآلات و المعدات الحديثة المستوردة ، انتقلت إلى العقول الأجنبية العاملة  في الأسواق العربية و خصوصا الخليجية، بدلاً من العقول الوطنية.
لذلك فإن رفع مستوى التعليم للفرد العربي و نقله من مرحلة الجهل العلمي و التقني إلى مرحلة العلم و التقدم التكنولوجي شرط أساسي لبناء اقتصاد وطني منتج. وما ينطبق على الحالة القطرية ينطبق بشكل عام على الاقتصاد العربي .

3-  القانون التجاري و محاكمه و السلطات المعنية بتنفيذ الأحكام 
لابد أن تشمل الهيكلة الاقتصادية هيكلة لإرساء قواعد وأحكام القانون التجاري و مؤسساته ومحاكمه ومرافعاته من جهة، ومن جهة أخرى تنفيذ أحكامه بشكل فعال. يعاني القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي في الدول العربية من الفساد المالي و الإداري  الحكومي، ومن البيروقراطية الحكومية و من غياب و تقاعس القانون في حل القضايا الخلافية بين مؤسسات القطاع الخاص أو بينها و بين الدولة. إن التنمية الاقتصادية الشاملة تتطلب تحقيق العدالة و لكي تتحقق العدالة لابد أن يكون هناك قضاء عام و قضاء تجاري مستقل، ويشمل ذلك القانون و القضاة و نظام المرافعات وأخيراً تطبيق الأحكام و تنفيذها. الدول العربية بشكل عام تعاني من ضعف شديد في هذا الجانب أثر على حركة النمو الاقتصادية و على حركة التجارة و الاستثمار بين الدول العربية .

4-  الاستخدام الأفضل للموارد الطبيعية
لدى الدول العربية موارد طبيعية لابأس بها من بترول وغاز و معادن وانهار و أراضي زراعية هذه الموارد يتم استهلاكها من خلال عمليات استخراج لا تخضع في معظم الحالات للتخطيط الطويل الأجل من أجل تعظيم العائد المالي والاجتماعي من استهلاك هذه الأصول الوطنية، لذلك فإن الهيكلة الاقتصادية لابد أن تعني بالحد من استنزاف وهدر هذه الموارد الطبيعية الرأسمالية التي تسيطر على معظمها الدولة، هذا الاستنزاف الجائر للموارد الطبيعية من قبل الدولة يستخدم لتأمين إيرادات لها لتمويل نفقاتها التي هي في معظمها ذات طبيعة استهلاكية أو عسكرية أو أمنية.

5-  بناء قاعدة صناعية تعتمد على التقنية المتطورة و القيمة المضافة العالية
الثورة الصناعية في أوروبا كانت المفتاح الرئيسي لتغيير الهيكل الاقتصادي الأوروبي و العالمي و نقله من المراحل البدائية الزراعية إلى مراحل متطورة ورغم مرور زمن طويل على الثورة الصناعية إلا أن بناء قطاع صناعي منتج تظل له الريادة في حركة التطور و النمو الاقتصادي. ومن المهم جداً أن يكون بناء القطاع الصناعي قائماً على الجدوى الاقتصادية لكل صناعة على الأمد الطويل وأن يربو العائد الاقتصادي و الاجتماعي كثيراً على التكلفة المادية و البيئية محققا قيمة مضافة جيدة .

6-  البحث العلمي و التكنولوجي
يجب أن يكون البنيان الاقتصادي العربي قائماً على وجود مراكز و حواضن للبحث العلمي والتكنولوجي تستمد قوتها البحثية و العلمية من مراكزها و معاملها التابعة لها من الجامعات، ومن علاقاتها المهنية بمراكز لبحوث و التقنية المتطورة في العالم.
واضح من الميزانيات الحكومية للدول العربية بأن الإنفاق على البحث العلمي هو في أدنى مراتبه بل يكاد يكون معدوماً في بعض الأحيان، رغم أنه بالنسبة للدول العربية ذات الموارد المالية المحددوة التي يرتفع فيها مستوى الفقر فإن أولوياتها هي في تأمين الغذاء و الصحة للمواطن، وهذا يأتي قبل البحث العلمي وهذا يبرز مشكلة الدائرة الجهنمية (Vicious Circle) و هي أن الفقر يؤدي إلى مزيد من الفقر، لذا فإنه لابد من كسر هذا الطوق من خلال وعي اجتماعي و سياسي عام ينزع إلى الحد من الهدر والفساد الحكومي الذي هو من أسباب عدم الكفاءة في إدارة موارد الدولة و الخروج بالأمة من دائرة الفقر وملحقاته إلى دائرة النمو التدريجي و الأكيد نحو تنمية شاملة حقيقية للإنسان والأمة.

7-  تنويع مصادر الدخل الوطني
من مكونات الهيكلة الاقتصادية لإيجاد بنية اقتصادية وطنية متوازنة التنوع في مصادر الدخل الوطني Diversification . معظم البلاد العربية و خصوصاً دول مجلس التعاون تعتمد اعتماداً كبيراً على استخراج و استهلاك البترول و الغاز في تمويل و تشغيل اقتصادها الوطني . وهذا بدوره يشكل خطراً استراتيجياً اقتصادياً يعرض الاقتصاد الوطني للتقلب الحاد بسبب تعرض صناعة البترول و الغاز للمتغيرات البترولية الاقتصادية و التقنية . الدول العربية الأخرى غير النفطية يعتمد بعض منها على استخراج المعادن – الحديد في موريتانيا ، أو الفوسفات في المغرب و الزراعة  في مصر و السودان . لذا فإن تنويع القاعدة الإنتاجية الوطنية لتشمل مصادر للإنتاج و الدخل متنوعة و متجددة يعتبر في غاية الأهمية. ما هي مصادر الدخل الجديدة ؟ هذا أمر يعتمد على الموارد الاقتصادية الطبيعية و البشرية المتوفرة في كل بلد عربي و الميزة النسبية الاقتصادية لها. إن بناء مصادر دخل جديدة لابد أن يبنى على أسس اقتصادية و مالية و بيئية يتم دراستها و تحليلها و اختبارها بشكل علمي و دقيق لمعرفة جدواها الاقتصادية و الاجتماعية، قبل الشروع في بناء هذه المصادر الجديدة، وذلك حتى لا تكون النتيجة هي مجموعة من الفيلة البيضاء (white elephants)، ومصانع ومدن صناعية، تكاليفها أكثر من صافي عوائدها .
العالم العربي مليء بالفيلة البيضاء و السمراء، مشاريع ما أنزل الله بها من سلطان تعيش على الدعم الحكومي، سواء في الأسعار أو في تكاليف الإنتاج، تقوم لأسباب غير اقتصادية سواء كانت سياسية أو خاصة. متنويع مصادر الدخل لا يكون بخلق مصانع بدون جدوى اقتصادية أو قيام مشاريع عملاقة تستهلك أكثر مما تنتج فالعبرة والأساس في تنويع مصادر الدخل هي في وجود قيمة مضافة مالية واجتماعية يدرها المشروع و يصبها في الاقتصاد الوطني، إضافة حقيقية تعلو فوق التكلفة و تزيد من الدخل القومي الحقيقي .

8-  الحد من النمو السكاني
للنمو السكاني أثر سلبي على معدل النمو الاقتصادي، فإذا كان نمو الناتج المحلي الصافي يعادل 2% و كان النمو السكاني أيضاً يعادل 2% فإن النمو الاقتصادي يعادل صفراً. الدول العربية تعاني من نمو سكاني متزايد مما يحتم عليها تحقيق معدلات نمو عالية في الدخل و الإنتاج إذا أرادت زيادة مستوى الدخل للفرد. الظروف الاقتصادية و الموارد المتاحة في العالم العربي لا تساعد على تحقيق معدلات نمو اقتصادي حقيقي عالية ، لذلك فإنه من الأهمية بمكان خفض معدلات النمو السكاني و ضبطها بشكل يحقق التوازن في العلاقة بين القوى البشرية من حيث الحجم و التركيب العمري ، وما بين متطلبات الإنتاج و النمو الاقتصادي. زيادة عدد السكان عندما لاتكون هناك تنمية اقتصادية شاملة و نمو في الدخل و الإنتاج يؤدي إلى زيادة حجم الفقر  ومعدلات نموه. والفقر آفة تنبت أمراضاً و جرائم اجتماعية تزيد من حجم المشاكل و الأعباء المالية والاجتماعية التي تواجهها الحكومات والشعوب.

9-  المياه : ترشيد الاستخدام وزيادة الموارد المائية:  
لست بحاجة إلى توثيق  شح المياه في العالم العربي و خطورة ذلك على مستقبل التنمية. ويختلف مستوى الخطورة المستقبلية من بلد لآخر في العالم العربي و ذلك لاختلاف موارد المياه الراهنة، وحجم السكان. فشح المياه مثلاً في المملكة العربية السعودية كبير وينبئ عن خطورة مستقبلية إذا لم يتم تدارك الأمر ، و يستهلك القطاع الزراعي حتى في الدول التي ليست ذات طبيعة زراعية الحجم الأكبر من مخزون المياه الجوفية غير المتجددة لذا فإن الهيكلة الاقتصادية يجب أن تتعامل مع أمرين هامين أولاً ترشيد استخدام المياه، و ثانياً تنمية الموارد المائية. يشير تقريراً صدر حديثاً (28/11/2013م) عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التابع لمنظمة الأمم المتحدة بعنوان:"حوكمة المياه في المنطقة العربية بين تأمين العجز وضمان المستقبل " جاء فيه أن أربع عشرة دولة عربية هي من بين البلدان العشرين الأكثر تضرراً من نقص المياه عالمياً، ويقارب نصيب الفرد العربي من المياه المتجددة ما يتمتع به نظيره في المتوسط على المستوى العالمي و يؤكد التقرير أنه من الضروري أن تجابه المنطقة العربية التحديات التي تفرضها ندرة المياه وأن تتصدى لها بجدية إذا ما أرادت تحقيق أهدافها الإنمائية ، وأضاف التقرير أنه من المتوقع أن يرتفع عدد سكان البلدان العربية المقدر حالياً بنحو 360 مليون نسمة ليصل إلى 634 مليون نسمة بحلول عام 2050 م و أن الفجوة ما بين العرض و الطلب في مجال الموارد المائية بالمنطقة قدرت بأكثر من 43 كيلومتراً مكعباً سنوياً و من المتوقع أن تبلغ 127 كيلو متراً مكعباً في العام مع اقتراب 2020-2030م"  

10- المرأة العربية و دورها في الاقتصاد :
لقد أدى اعتقال المرأة العربية اجتماعياً منذ القدم إلى اعتقالها اقتصادياً وسياسيا و علمياً. لقد سادت أدبيات التراث العربي ذات المواقف المناهضة لإعطاء المرأة دوراً فاعلاً و هاماً في إدارة شؤون المجتمع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، كما ساد الفقه الإسلامي المتشدد و المعارض و الممانع لإعطاء المرأة المسلمة الحرية التي منحها القرآن الكريم للمرأة اعتماداً على باب سد الذرائع، كل هذه الأغلال و الموانع حجمت و أضعفت من دور المرأة في المساهمة بشكل إيجابي و فاعل مع الرجل في عملية الإنتاج و الإدارة الاقتصادية . ويبدو هذا التخلف في مشاركة المرأة العربية أكثر وضوحاً في دول مجلس التعاون العربي و اليمن. ورغم وجود محاولات و مبادرات و جهود للنهوض بدور المرأة و مساهمتها في الناتج الإجمالي إلا أن الأمر يتطلب جهداً أكبر و إرادة للتغيير أقوى.
إن هيكلة الاقتصاد قطرياً وعربياً لزيادة نوع و كمية الإنتاج لابد أن تكون إحدى دعاماته الرئيسية فك الأغلال التي فرضها الرجل على المرأة سواء كان حاكماً أو رجل دين أو زوج أو أب وقيد بها حرية المرأة في ممارسة دورها الطبيعي و الإنساني في العمل و الإنتاج و في التفكير و الإبداع.

11- محاربة الفقر و تأمين الحد الأدنى من المعيشة
قد يرى بعض الاقتصاديين من أصحاب المدرسة ذات الفكر الاقتصادي اليميني بأن على الدولة في الاقتصاد الحر أن  تنسحب من كل الالتزامات الاجتماعية و تترك الأمر لقوى السوق .
الدول العربية جميعها و العالم كله تقريباً يأخذ بمبدأ الحرية الاقتصادية بعد أن تخلى عن المفهوم الشيوعي أو الاشتراكي المتطرف لإدارة و تشغيل موارد الدولة الاقتصادية،لكن الأيديولوجية الاقتصادية القائمة على مبدأ الحرية الاقتصادية وتعظيم دور الفرد في أداء الاقتصاد لا تعني البتة تخلي الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية في محاربة الفقر و تأمين الحد الأدنى من المعاش والصحة والتعليم والسكن للمواطن لحفظ كرامته الإنسانية و تأهيله للانطلاق في مسيرة العمل والإنتاج  بفعل القوة الذاتية دون إعاقة من فقر أو جهل أو مرض. المسؤولية هذه في حقيقتها هي مسؤولية الأمة بأكملها انطلاقاً من مبدأ التكافل الاجتماعي.
هيكلة الاقتصاد العربي في كل قطر يجب أن تبنى على قاعدة لا يسودها و يغطي معظم مساحتها فقر مدقع أو جهل مظلم .

الخاتمة :
حال الاقتصاد في كل قطر عربي موسوم بضعف الإنتاج ويعمل بمستويات متدنية من الإنتاجية الفردية و الإنتاجية الوطنية، فالادخار منخفض والاستهلاك متزايد. يدير الاقتصاد الوطني جهاز حكومي يتحكم بكل الموارد ويتحكم بالإنفاق والاستثمار، جهاز يشيع فيه بشكل عام الفساد والرشوة و موظفوه يعملون ببيروقراطية معيقة و كفاءة إنتاجية منخفضة.
هذه الأمراض و العلل التي يعاني منها الاقتصاد العربي في مجمله و في أقطاره يتطلب هيكلة اقتصادية قائمة على أسس علمية إحصائية فيها قراءة جيدة للماضي واستشراف علمي للمستقبل. هذه الهيكلة لابد أن يكون مصدرها إرادة سياسية عليا فاعلة تؤمن بأهمية وضرورة التغيير البنيوي في البنية الاقتصادية وفي الاستراتيجيات و السياسات الاقتصادية اللازمة لتحقيق نمو حقيقي في الإنتاج و الإنتاجية و زيادة دخل الفرد و الرفاهية. هذه الإرادة السياسية يجب ألا تكون إرادة فردية تحكمها ظروف اللحظة السياسية و الاقتصادية،بل يجب أن تكون إرادة حقيقية فاعلة مصدرها المؤسسات السياسية و الاقتصادية المعنية بالشأن الاقتصادي للأمة ، مبنية على علم ودراية بتجارب الماضي و على معرفة و التزام بتطلعات وآمال الشعب،تترجم إلى خطط اقتصادية يتم تنفيذها ضمن إطارمن الشفافية و المتابعة و المساءلة .



[1] التقرير الاقتصادي العربي الموحد  صندوق النقد العربي 2012 م
IMF: Regional Economic outlook ,Middle and Central Asia ,Nov 13 , 2012                                                                                                                
[2] Simon Kuzneto ,1934
[3] Van den bergh,2007 Jeroenc.j.m: Abolishing GDP
[4] Kirk Hamilton ,Gileo Alatkinson,and David Pearce "Genuine Saving as an indicator of sustainability ",Making paper , The world Bank , 1996  
[5] Abdulaziz M.Aldukheil , Saudi Government Revenue Expectation : Financial Crisis in the making . Chapter 6 , Macmilan-U.S-2013                                                                                                                         
[6] صندوق النقد العربي – أبو ظبي ، التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2012 .
[7] www.stiglitz-sen-fitoussi.fr
[8] التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2012 ، ص28 جدول رقم 5
[9] الخطط الخمسية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية اصدار من الخطة الأولى1970م وحتى الخطة التاسعة 2010-2014م انظر  ص33 تنويع القاعدة الاقتصادية للخطة التاسعة –وزارة الاقتصاد ة التخطيط
[10] صحيفة الشرق –الإيراد النفطي و الإنفاق الحكومي و المستقبل المجهول – تاريخ 13/02/2012 م – العدد (71 )
[11] كتاب الإحصاء السنوي – وزارة الاقتصاد و التخطيط –مصلحة الإحصاءات –عام 2010 م – الفصل الثاني 
[12] التقرير  الاقتصادي العربي الموحد ص 63
[13] التقرير الاقتصادي العربي الموحد ص46
[14] الميزانية العامة للدولة – النفقات العامة-الباب الأول و الثاني، ميزانية العام 2011 م
[15] التقرير الاقتصادي الموحد –صندوق النقد الدولي- ص175 –جدول رقم 4
[16] Economy, Development ,Kindleberger 1958
Mc- Graw – Hill Book company –chapter 1 .
[17] Gunnar Myrdal : Asian dram .An inquiry into the poverty of nations .pantheon –Random house .N.Y 1968